Get my banner code or make your own flash banner

انت منين؟

Sign by Danasoft - Myspace Layouts and Signs

٢٠٠٦/٠٣/٠١

سيناريو العار...مايحكمشى


بقلم:فهمـي هـويـــدي

لا أريد أن أصدق أخبار إسرائيلية عن تعاون أمني مع دول عربية لمرحلة مابعد تولي حماس للسلطة
.


قد لايفاجئنا التواطؤ الدولي علي حصار الشعب الفلسطيني بهدف تجويعه وإذلاله‏,‏ وصولا إلي إفشال حكومة حماس وإجبارها إما علي الاستسلام أو الاستقالة‏.‏ لكن حين تشترك دول عربية في ذلك الحصار‏,‏ فذلك هو العار بعينه‏.‏‏(1)‏ لم تخل من فجاجة تلك التصريحات التي مهدت لزيارة وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس إلي القاهرة في الأسبوع الماضي‏,‏ وذكرت أن من بين الموضوعات المدرجة علي جدول مباحثاتها تشجيع الديمقراطية في مصر‏,‏ ومعاقبة الفلسطينيين لأنهم مارسوا الديمقراطية في بلدهم‏!‏ ـ بطبيعة الحال‏,‏ فإن الشق الأخير من الجملة لم يذكر بهذا الوضوح‏,‏ ولكنه غلف بعبارات دبلوماسية أخفت القبح في المهمة‏,‏ من قبيل مناقشة أوضاع مابعد نتائج الانتخابات الفلسطينية‏.‏ وكانت تلك المناقشة التي جرت بعد الانتخابات قد أسفرت في الولايات المتحدة عن قرار بوقف المعونات المالية عن السلطة الفلسطينية‏,‏ واسترجاع معونة‏(‏نحو‏50‏ مليون دولار‏)‏ كانت مخصصة للبنية التحتية في الضفة الغربية‏.‏ وتم ذلك بجرأة بدا فيها التناقض صارخا‏,‏ في اعلان ضمني صريح عن أن الأمر حين يتعلق بالمصالح الإسرائيلية‏,‏ فكل منطق يمكن إهداره‏,‏ وكل سياسة يمكن أن تنقلب إلي نقيضها‏!‏
خلال رحلتها التي شملت بعد ذلك أكثر من عاصمة عربية‏,‏ شددت السيدة رايس علي أهمية محاصرة حماس والضغط عليها‏,‏ إلي أن تمتثل للطلبات الإسرائيلية الثلاثة‏(‏الاعتراف بالدولة‏,‏ وإلقاء السلاح‏,‏ وتأييد الاتفاقات المعقودة مع السلطة الفلسطينية‏).‏ وهي لم تكن وحيدة في ذلك بطبيعة الحال‏,‏ لأن السفارات الأمريكية لم تقصر في أداء الواجب في مختلف أنحاء العالم‏.‏
هذه المهمة بادرت إليها الدبلوماسية الإسرائيلية منذ ظهرت النتائج الأولي للانتخابات‏.‏ ذلك أن تل أبيب أطلقت حملة تعبئة مضادة لمحاصرة الفلسطينيين وتجويعهم‏,‏ فانطلق وزراؤها وبرلمانيوها ودبلوماسيوها في كل اتجاه داعين إلي مقاطعة الحكومة الفلسطينية الجديدة‏,‏ ما لم تستجب للطلبات الثلاثة‏.‏ وتابعنا في صحف الأسبوعين الأخيرين كيف نشطت تلك التحركات في بعض عواصم العالم العربي‏,‏ مشرقه ومغربه‏.‏ وأدهشتنا تصريحات المبعوثين الإسرائيليين التي أعربت عن نجاحات حققوها في هذا الصدد‏.‏
لم يقف الأمر عند حد الإلحاح علي محاصرة الفلسطينيين‏,‏ وإنما تجاوزه إلي تخويف دول العالم من الآثار الكونية الخطيرة التي يمكن أن تترتب علي فوز حماس‏,‏ التي قد تؤدي في زعمهم إلي نشوب أول حرب عالمية من نوعها في القرن الحادي والعشرين‏,‏ وكانت تلك هي الرسالة التي عبر عنها مندوب اسرائيل الدائم لدي الأمم المتحدة‏,‏ داني جيليرمن‏,‏ في خطاب ألقاه أمام جلسة لمجلس الأمن في‏(2/22)‏ خصصت لبحث موضوع الإرهاب‏.‏‏(2)‏ حملة التعبئة المضادة‏,‏ الإسرائيلية والأمريكية‏,‏ استهدفت أمرا آخر هو‏:‏ محاصرة حماس في الخارج‏,‏ وقطع الطريق أمام محاولاتها مخاطبة عواصم العالم‏,‏ وبالتالي اغلاق الأبواب أمام مساعي الاعتراف بحكومتها‏.‏ مشهودة الانتقادات التي انهالت علي موسكو لأنها وجهت دعوة إلي وفد من الحركة لزيارتها‏.‏ ولم تهدأ تلك الجهود إلا بعد الاعلان عن أن القيادة الروسية ستطلب من وفد حماس الاستجابة للشروط الإسرائيلية‏.‏
كما انه ليس معروفا بعد الضغوط‏,‏ ما إذا كان الرئيس بوتين سوف يلتقي الوفد أم لا‏.‏ ويبدو أن ضغوطا مماثلة مورست علي تركيا التي كانت قد دعت ممثلي الحركة لزيارة أنقرة‏,‏ لمنع اجتماع رئيس وزرائها رجب طيب اردوغان مع خالد مشعل والوفد المرافق له‏.‏ ونجحت تلك الجهود في تحقيق مرادها‏,‏ حيث اقتصرت لقاءات الوفد علي الاجتماع مع وزير الخارجية عبدالله جول‏,‏ ومع ذلك لم تسلم الحكومة التركية من الانتقادات‏,‏ التي ركزت علي انه ما كان لأنقرة أن توجه الدعوة أصلا إلي حماس‏.‏ حتي إن بعض المحافظين الجدد في واشنطن تساءلوا عما إذا كانت تركيا تقبل باستقبال وفد من حزب العمال الكردستاني الانفصالي في البيت الأبيض‏.‏ وتردد السؤال ذاته في اسرائيل‏(‏لاحظ التوافق‏!)‏ ـ حيث وجهه مدير مكتب رئيس وزرائها إلي الأتراك علي النحو التالي‏:‏ ماذا يكون شعوركم لو أننا استقبلنا عبدالله اوجلان‏.‏ وقد وصف أحد المعلقين الأتراك السؤال بأنه وقح‏,‏ فلا تركيا هي اسرائيل ولا الفلسطينيون كالأكراد‏.(إبراهيم كاراجول ـ صحيفة بين شفق في‏2/17).‏
في‏2/21‏ نشرت صحيفة هاآرتس الإسرائيلية تحليلا لمحررها العسكري زئيف شيف‏,‏ ذكر فيه أن تل أبيب مرتاحة للموقف العربي من حماس‏.‏ وادعي أن وفدا للحركة كان في زيارة لإحدي العواصم العربية أخيرا لإجراء بعض الاتصالات‏,‏ وأن الوفد طلب الاجتماع مع رئيس الدولة‏,‏ ولكن الطلب قوبل بالاعتذار‏.‏ وكانت الصحف العربية اللندنية قد نشرت قبل عشرة أيام أن اتصالات جرت لترتيب زيارة يقوم بها وفد من حماس لدولة عربية أخري‏,‏ بعد عودة رئيسها من الولايات المتحدة ـ وكان مقررا أن يكون علي رأس الوفد خالد مشعل رئيس المكتب السياسي للحركة‏.‏ غير أن الوضع تغير بعد العودة‏,‏ حيث اعتذرت الدولة المذكورة عن استقبال مشعل‏,‏ الأمر الذي ترتب عليه الغاء الزيارة‏.‏
لم تحقق مساعي الحصار هدفها بالكامل‏,‏ حيث التقي قادة حماس رؤساء ثلاث دول عربية حتي الآن‏,‏ هي سوريا وقطر والسودان‏,‏ وكانت لهم زيارة ناجحة إلي طهران‏.‏ مع ذلك أخشي أن تصبح تلك الزيارات استثناءات علي الطوق الذي تتحرك اسرائيل والولايات المتحدة بهمة مشهودة لفرضه من حول الحركة‏,‏ مستهدفا اغلاق جميع الأبواب في وجهها‏.‏‏(3)‏ ينتابني شعور بالخزي والحزن حين اقرأ الأخبار التي تتحدث عن تعاون بعض الأطراف الفلسطينية مع الإسرائيليين لإضعاف حكومة حماس وافشالها‏.‏ ولا أريد أن أصدق الأخبار التي يروج لها الإسرائيليون عن تعاون أمني مع بعض الدول العربية لمواجهة مرحلة مابعد تولي حماس للسلطة‏.‏ ولا أتردد في وصف هذه التقارير والأنباء ـ إذا صحت ـ بأنها من مشاهد سيناريو العار‏.‏
يوم‏2/19‏ نشرت صحيفة الصنداي تايمز اللندنية أن مسئولين رفيعي المستوي من الفلسطينيين والإسرائيليين عقدوا اجتماعات سرية يومي‏8‏ و‏9‏فبراير في معهد جيمس بيكر للسياسات العامة بمدينة هيوستن‏,‏ تطرق البحث فيها إلي سبل اضعاف حركة المقاومة الاسلامية‏(‏حماس‏)‏ وتهميش دورها‏,‏ بعد فوزها في الانتخابات التشريعية‏.‏ وقال تقرير الصحيفة إن أربعة أشخاص مثلوا كل بلد في تلك الاجتماعات‏,‏ فكان جبريل الرجوب مستشار الأمن القومي للرئيس أبومازن رئيسا للوفد الفلسطيني‏.‏ ورأس الجانب الإسرائيلي الجنرال اوري ساغوي الرئيس السابق للاستخبارات العسكرية‏,‏ وأدار الحوار السفير الأمريكي الأسبق في كل من دمشق وتل أبيب ادوار جريجيان‏.‏
ذكر تقرير الصنداي تايمز أن الاجتماع كان معدا له قبل الانتخابات الفلسطينية‏,‏ ولكن فوز حماس طرح عنوانا جديدا علي جدول أعماله‏.‏ومن النتائج المهمة التي أسفرت عنها المناقشات أنها فتحت قناة اتصال جديدة بين أبومازن ورئيس الوزراء الإسرائيلي بالوكالة ايهود اولمرت والإدارة الأمريكية‏,‏ يمكن الافادة منها خلال المرحلة المقبلة‏.‏
علي صعيد آخر‏,‏ نشرت صحيفة الشرق الأوسط تقريرا لمراسلها في تل أبيب‏(‏في‏2/23)‏ ذكر أن ناطقا عسكريا اسرائيليا كشف النقاب عن أن جيش بلاده مازال يقوم بأعمال التنسيق الأمني مع الأجهزة الأمنية الفلسطينية‏,‏ وأن ماتردد عن قطع ذلك الاتصال بين الطرفين ليس صحيحا‏.‏ وأضاف الناطق أن لإسرائيل مصالح تقتضي اجراء الاتصال مع الفلسطينيين وإلا تعرضت تلك المصالح للضرر‏.‏ وحاول الناطق أن يخفف من صورة الاتصالات فقال إن اسرائيل تخطر الجهات الأمنية الفلسطينية بالاجتياحات التي تعتزم القيام بها‏,‏ ليتم ابعاد القوات الفلسطينية من طريقها‏,‏ لتجنيبهم احتمال الاشتباك معهم‏(!).‏
وكان شاؤول موفاز وزير الدفاع الإسرائيلي قد صرح في‏2/14,‏ عقب زيارته لإحدي العواصم العربية بأن مباحثاته مع مسئوليها تناولت أمورا كثيرة‏,‏ كان تطوير التنسيق الأمني وتبادل المعلومات من بينها‏.‏ الامر الذي يدفعني إلي طرح السؤال التالي‏:‏ في الظروف الراهنة ماهو الموضوع الذي يتطلب اجراء تنسيق أمني بين اسرائيل وأي دولة عربية مجاورة لها؟‏(4)‏ في مواجهة الضغوط المكثفة التي تستهدف تجويع الفلسطينيين وحصار حكومتهم الجديدة سياسيا ودبلوماسيا‏,‏ يستدعي المشهد عديدا من الأسئلة المطروحة علي العالم العربي بوجه أخص‏,‏ منها علي سبيل المثال‏:‏ أين الدبلوماسية العربية من حملات التعبئة المضادة التي يقوم بها الإسرائيليون والأمريكيون في مختلف القارات والمحافل؟ ـ وما موقف الحكومات من قرار محاصرة الفلسطينيين وتخيير حكومتهم بين الاستسلام أو الاستقالة؟ ـ وأين صوت القوي السياسية ومنظمات حقوق الانسان؟ ـ ولماذا لايبادر الدعاة إلي تعبئة الناس وحثهم علي مساندة الشعب الفلسطيني في الصمود أمام الحصار؟ ـ وهل حسبت جيدا النتائج التي يمكن أن تترتب في الشارع العربي
في حال اتخاذ موقف الحياد بين الفلسطينيين والإسرائيليين‏,‏ أو إذا اصطف أي طرف عربي في الجانب الإسرائيلي‏,‏ متبنيا مطالبه الثلاثة؟
لا تكفي في الاجابة عن الأسئلة تلك التصريحات الرسمية التي أطلقت في بعض العواصم العربية داعية إلي عدم معاقبة الشعب الفلسطيني‏.‏ كما أن الكلام عن اعطاء حكومة حماس فرصة‏,‏ الذي قد يعني الصبر عليها لحين اثبات النجاح أو الفشل‏,‏ استقبلته اسرائيل بإيحائه السلبي الذي يتلخص في أن كلام حماس الآن ينبغي ألا يؤخذ علي محمل الجد‏,‏ لأنهم سيفشلون في النهاية‏.‏
ولايستطيع المرء أن يكتم دهشته إزاء ذلك الصمت العربي الرسمي‏,‏ الذي لم يوجه كلمة إلي اسرائيل الضاغطة علي الجميع بقوة‏,‏ تطالبها بأي استحقاق فلسطيني‏,‏ كأنه لايوجد احتلال ولا مستوطنات ولا اجتياحات أو اغتيالات‏,‏ وكأن الطرف الفلسطيني وحده المطالب بطمأنة اسرائيل والاستجابة لأطماعها التي لاتقف عند حد‏.‏
في هذه الأجواء المحبطة‏,‏ لا أخفي أنني فوجئت بالخطاب الذي ألقاه السيد عمرو موسي الأمين العام لجامعة الدول العربية في بروكسل‏(‏يوم‏2/22),‏ أمام لجنة العلاقات العربية بالبرلمان الأوروبي‏,‏ ووجه فيه إلي مستمعيه السؤال التالي‏:‏ لماذا تصمتون علي استمرار اسرائيل في بناء الجدار‏(‏الذي قضت محكمة العدل الدولية ببطلانه‏)‏ وعلي توسيع المستوطنات‏,‏ دون أن توجهوا إليها تساؤلا أو تضعوا شروطا؟ ـ وصارح موسي أعضاء البرلمان الأوروبي بأن هذا الموقف يجسد ازدواج المعايير الذي يسبب النقمة في الشارع العربي‏.‏
بدا أمين الجامعة العربية في ذلك الخطاب وكأنه طائر يغرد خارج السرب‏,‏ حتي إنني قلت بعدما فرغت من قراءته‏:‏ أخيرا وجدنا مسئولا عربيا تذكر القضية وتحدث عن استحقاق فلسطيني وانتقد الموقف الغربي‏.‏
نقلت هذا الانطباع إلي السيد عمرو موسي بعد عودته إلي القاهرة‏,‏ وكان تعليقه انه لمس تجاوبا طيبا مع كلامه من جانب العديد من النواب الأوروبيين‏,‏ وأن المجال لايزال مفتوحا في الغرب لوضع القضية في اطارها الصحيح‏,‏ بحيث لا تظل الطلبات الإسرائيلية وحدها المطروحة علي الطاولة‏.‏ وأضاف أنه قام بما يقتضيه فرض الكفاية في الموضوع‏,‏ وان كان الظرف يحوله إلي فرض عين علي الجميع‏,‏ الأمر الذي يعيد طرح السؤال‏:‏ أين الدبلوماسية العربية في المشهد‏,‏ ولماذا تلتزم الصمت إزاء المطالب الفلسطينية؟
لقد تحدث كثيرون عن مأزق حماس‏,‏ ومأزق فتح‏,‏ لكن الضوء لم يسلط بشكل كاف علي المأزق الذي تتعرض له الأنظمة العربية‏,‏ التي بات عليها أن تحسم موقفها بوضوح لا يحتمل اللبس ويجنبها الوقوع في براثن سيناريو العار ـ لذا لزم التنويه‏.‏

ليست هناك تعليقات: